tafrabooks

Share to Social Media

ساد الصمت
طُرِق باب الحجرة برفق ثم دخلت الخادمة بعد أن أذنت لها السيدة آمنة بالدخول:
الخادمة: سيدتي لقد أتى الطبيب. هل أسمح له بالدخول ؟.
السيدة آمنة: نعم . أنا في انتظاره.
دخل الطبيب توًا
أومأت السيدة آمنة برأسها احترامًا ، وترحيبًا بالطبيب . ابتسم الطبيب الشاب ابتسامة وضاءة ثم سألها عن صحتها.
الطبيب : كيف حالك سيدتي ؟.
فأجابت السيدة آمنة : الحمد لله
أنا في أتم صحة وأفضل حال.
ثم نظرت إليه السيدة آمنة قائلة : هذه إحسان الممرضة أود أن تخبرها بحالتي الصحية، وما احتاج إليه من رعاية واهتمام .
الطبيب: مرحبًا يا سيدة إحسان.
إحسان: مرحبًا بك سيدي الفاضل.
خرج الطبيب من الغرفة، وخرجت إحسان ورائه
ووقفا في ممر طويل بين أكثر من سبع حُجرات.
ثم بدأ الطبيب بالحديث عن السيدة آمنة قائلًا :
السيدة آمنة اطمأنت إلى صَولةِ الأيام جاهلة بتقلبات الدهر، أتعلمين سيدتي أن الضُر لا يأتي إلا مما يأمن الورى؛ استبدت بها الأسقام والعلل؛ تجرعت الوفاة بلا ممات بعد فقدها لزوجها، وابنتها، وزوج ابنتها في حادث سيارة مُروع منذ أكثر من سبع سنوات.
إحسان: حادثة !.
الطبيب: نعم. كانت تقود السيارة، ومعها زوجها، وابنتها ، وزوج ابنتها، وحفيدتها .
نجت هي وحفيدتها من الموت.
إحسان: يا لها من مُصيبة!.
وما أشد مُصيبة الفقد!.
الطبيب: بالطبع أنها مُصيبة وفاجعة كُبرى. أصيبت السيدة آمنة بمرض أقعدها عن الحركة، ومازلت تعاني منه أشد الألم، ولا نتجاهل أيضًا مرورها بأزمة نفسية شديدة؛ بسبب الحادث.
لقد روعتها الحادثة، ونزفت روحها قبل جسدها.
إحسان: شفاها الله وعافاها.
أنا مُستعدة لعمل كل ما في وسعي لمساعدتها.
الطبيب: حسنًا. هذا كل ما أرجوه منكِ.
السيدة آمنة تُهمل في تناول جُرعات الدواء؛ فنصحتها باستقدام ممرضة لمتابعتها، ورعايتها.
ثم أردف الطبيب قائلًا : عليكِ إتباع خطة العلاج مع مراعاة مواعيد الدواء.
إحسان: لا تقلق سيدي الطبيب.
كل شيء سيصبح على ما يُرام.
الظلام يحيط بالمكان!.
استأذن الطبيب للخروج.
وقرع باب القصر قرعًا مدويًا.
نعم قرع باب القصر!. وغادر لكنه قرع باب أفكار إحسان أيضًا، ودق ناقوس الخطر على ظنونها، وأظهر لها شيئًا لم تكن تعبأ بمعرفته من قبل، سَبحتُ في خضم أفكارها؛ لتواجه شيء من الحقيقة الغائبة عنها وراء المظاهر الخادعة!.
ندت من إحسان صرخة عالية؛ بعد أن أيقنت أن ربما خلف المظهر الجميل، والطبيعة الخلابة الساحرة أُناس تتألم، وتتمزق، ولكن بثبات، وسكينة، وشموخ تُخفي معالم الشجن بداخلها؛ فيظهر خفية على قسمات وجهها.
عرفت لماذا كانت تنظر السيدة آمنة نظرات حائرة؟!.
لأنها تُعاني من الوهن، والوصب، والنَّصب .
رُبما لأنها تحمل أعباء فوق عاتقها، ربما اشتد عليها المرض، ربما لأنها تتجرع مرارة الفقد، لقد نُزعت روحها نزعًا مميتًا، ربما نزفت فقدًا، وحزنًا، وألمًا، وخارت قواها، ووهن جسدها، وغاض ماء جمالها، وتشتت أمرها، واختفت نضارتها، وبدت التجاعيد على وجهها. إنها تعيش في عالمًا خرابًا، وكونًا يبابًا!.
إحسان تُغير وجهة نظرها بعد أن انقلبت الأفكار رأسًا على عقب في رأسها :
نعم أفكارنا عن الآخرين ليست كما تبدو لنا؛ عَرفتُ توًا سبب بكائها عند استفسارها عن اسم الطفلة الصغيرة.لقد أًلمها سؤالها دون قصد منها. من المؤكد أنها استدعت ذكرياتها المؤلمة، وتذكرت الحادثة الأليمة التي تعرضت لها .
ربما فاض الحنين إلى ابنتها فبكت شوقًا لها. ربما أرق الحنين مضجعها، وباتت الدموع تتساقط على وسادتها، وترتطم ارتطامًا شديدًا بخبايا قلبها فتُحطم أنسجة قلبها وتمزقه، وتقطعه إربًا إربًا فيضخ شجنًا، وشوقًا لرؤية أحبابها.
ضمير إحسان يصيح صيحة مدوية
إحسان تُعيد ترتيب أفكارها بهدوء في مناجاة مع ذاتها:
تأنيب ضميرها ونفسها اللوامة كانا العقاب على ظنونها الخاطئة. ويا له من عقاب أليم يُعذب النفس عذابًا شديدًا. الضمير هو صوت الحق الذي يصيح فوق صوت سوء الظن؛ فيسحق الأفكار المسمومة سحقًا، ويستبدلها بأصوات مسموعة ترتدي عباءة القاضي العادل الذي تظهر أمامه الدلائل المُكذبة لسوء ظنه؛ فيقف الضمير أمامه ليرشده إلى تحقيق العدالة دون الإصغاء إلى وساوس النفس؛ فيُجرد تفكيره من كل شائبة لا يرضاها، ويستمع لصوت الحق .
لقد أدركت إحسان خطأها، وأبدت ما في خلدها:
الطفلة رحيق فقدت والديها، وجدها في حادثة!. وظنت إحسان أنها تنعم بطفولة جميلة، وتصورت أنها تنعم برغد العيش، وتحلم أحلام سعيدة وربما هي لا تعرف الأحلام، ولم تقابلها بموعد مُسَبق، أو على حين غفلة.
حياتها ليست إلا كوابيس أليمة مُزعجة بالرغم من صغر سنها. ربما الحبور لم يحل ضيفًا عليها يومًا ما،أو يجلس معها لتأنس به، أو يأنس بها.
يبدو أنها لا تعرف القصص القصيرة، ولا المطولة، وتكتم أفكارها، وأحزانها في خبايا قلبها. مَن سيسمع همس كلامها، أو تقص عليه المزيد من أفكارها!.
وهاهنا السيدة آمنة يضيق صدرها بأحداث دامية تعرضت لها. انفطر قلبها على فقد أهلها، واندثر ضياء الفجر في روحها، وعانت سنوات من المرض، والشقاء. و كانت إحسان تظن أن ساكني هذا القصر سُعداء!.
ما بال الإنسان يخطئ في ظنونه، وتخدعه أفكاره، و يرسم في مخيلته حياة وردية لمن يراهم قدرًا،أو يتواجد معهم في أماكن مختلفة، أو تجمعه بهم علاقات ثانوية فيقوده تفكيره إلى أنهم غارقون في السعادة ينعمون بالراحة، ولا يعانون من منغصات الحياة.
يتصور كلًا منا أن الآخر قد مُلئ صدره حُبوراً، وارتياحًا، وانشراحًا. نرسم صورة بهية، وجميلة عن حياة كل من نقابله، ونخطط بأفكارنا خطوط مُدهشة عن مسيرة حياتهم؛ ثم نلونها كما شئنا بألوان مُتعددة. وطالما اخترنا الألوان المُبهجة الزاهية التي تُرضي رؤيتنا، وخيالنا .
لكن دائمًا يُفاجئنا الواقع بأن ألواننا كانت باهتة تعكس غالبًا واقع سوداوي، ورؤية مُظلمة.
ليس كل ما نراه رؤية ظاهرية يعبر عن الواقع. انبهارنا لا يعني صدق رؤيتنا، وأبصارنا لم يكشف عنها بعد لتكون حديد، وتبصر ما خلف الكواليس. أبصارنا تكمن في بصيرتنا فإن عميت البصائر فلا تُجدي الأبصار نفعًا.
1 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.